بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
ينقل إن عبد الله بن الزبعرى كان يهجو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويعظم القول فيه والوقيعة في المسلمين، وعندما فتحت مكّة فرّ منها، وبعد أن عرف أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) رسول الرحمة والإنسانية رجع إلى مكّة واعتذر من الرسول (صلى الله عليه وآله) ممّا بدا منه.
فقبل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عذره وأمر له بحلّة، وعلى أثر ذلك أسلم، وأنشد شعراً يقول فيه:
ولقد شهدت أنّ دينك صادق***حقّاً وإنّك في العباد جسيم
والله يشهد أنّ أحمد مصطفى***مستقبل في الصالحين كريم
وقال أيضاً:
فالآن أخضع للنبي محمّد***بيد مطاوعة وقلب نائب
ومحمّد أوفى البريّة ذمّة***وأعزّ مطلوب وأظفر طالب
هادي العباد إلى الرشاد***وقائد للمؤمنين بضوء نور الثاقب
إنّي رأيتك يا محمّد عصمة ***للعالمين من العذاب الواصب[2]
يهودي يحبس الرسول (صلى الله عليه وآله):
عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انّه قال: إنّ يهودياً كان له على رسول الله (صلى الله عليه وآله) دنانير، فتقاضاه.
فقال (صلى الله عليه وآله) له: يا يهودي، ما عندي ما أعطيك.
فقال: فإنّي لا اُفارقك يا محمّد حتّى تقضيني.
فقال: إذن أجلس معك.
فجلس (صلى الله عليه وآله) معه حتّى صلّى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخر والغداة، وكان أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتهدّدونه ويتواعدونه.
فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم فقال: ما الذي تصنعون؟
فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك؟
فقال: لم يبعثني ربّي عز وجل بأن أظلم معاهداً ولا غيره.
فلمّا علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وشطر مالي في سبيل الله[3].
الإسلام والسجون:
من الشواهد على أنّ الإسلام يتبع أُسلوب اللاّعنف إنّه لم يكن للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) سجن اطلاقاً، بل كان إذا أراد أن يودع أحداً في السجن ليوم أو لأيّام معدودات ـ أقلّ من أصابع اليد ـ كان يحفظه في دار كانت بباب المسجد.
وقد بقي هذا القانون حتّى زمان أبي بكر أمّا في زمان عمر فقد استأجر داراً وجعلها سجناً ليوم أو لبعض الأيّام لأشخاص قلّة[4].
بل حتّى الأُسراء لم يودعهم الإسلام في السجون أو المعسكرات وإنّما كانوا مطلقين، فمن شاء منهم أن يذهب إلى بلده ومن شاء منهم أن يبقى في المدينة المنوّرة، وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: ((وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً))[5]. حيث كان الأسير يسير بحريته.
عفوه (صلى الله عليه وآله) عن الأعرابي
عن جابر بن عبد الله: إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) نزل تحت شجرة فعلّق بها سيفه ثمّ نام، فجاء أعرابي فأخذ السيف وقام على رأسه، فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله).
فقال الرجل: يا محمّد من يعصمك الآن منّي؟
قال: الله تعالى.
فرجف وسقط السيف من يده.
وفي خبر آخر: إنّه بقي جالساً زماناً ولم يعاقبه النبي (صلى الله عليه وآله)[6].
رحلته (صلى الله عليه وآله) إلى الطائف
لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعقيب وفاة ناصره وحاميه أبي طالب (عليه السلام) عانى الرسول (صلى الله عليه وآله) من سفهاء قريش ما عاناه، حيث إنّهم تجرّؤوا عليه وكاشفوه بالأذى ونالوا منه ما لم ينل قومه في مكّة.
وقد كان معه آنذاك زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم في الطائف عشرة أيّام لا يدع أحداً من أشرافهم إلاّ جاءه وكلّمه.
فقالوا: أخرج من بلادنا، وأغرّوا به سفهاءهم، فأخذوا يرجمون عراقيبه (صلى الله عليه وآله) بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه بالدماء.
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، بينما كان زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتّى لقد شجّ في رأسه شجاجاً، وما زالوا به حتّى ألجئوه إلى حائط لابنيّ ربيعة: عتبة وشيبة.
فعمد إلى الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ (صلى الله عليه وآله) يناجي ربّه ويدعوه بالدعاء المأثور قائلا (صلى الله عليه وآله): «اللهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، وربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى عدوّ بعيد يتجهّمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا اُبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك».
فلم يدع على القوم أبداً، بل كان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. (فداك أبي وأمي ونفسي يارسول)
(صلى الله على سيدنا محمد أفضل الصلاة كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون)