منتديات رفقة نت
منتديات رفقة نت
منتديات رفقة نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات رفقة نت

منتدي عربي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فتاة الاسلام
مديرة منتدى رفقة نت
مديرة منتدى رفقة نت
فتاة الاسلام


عدد المساهمات : 190
نقاط : 200075
تقييم الاعضاء : 0
تاريخ التسجيل : 15/10/2009
العمر : 43
الموقع : مصر ام الدنيا

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم   سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Emptyالثلاثاء نوفمبر 03, 2009 3:21 pm

أمهات المؤمنين - د.محمد راتب النابلسي
سيرة السيدة خديجة
سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Icon_pale " عام الحزن "


بسم الله الرحمن الرحيم




الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .

أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس السابع من سير الصحابيات الجليلات ، ومع السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها زوجة رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الأولى زمناً ومرتبةً .

في الدرس الماضي بينت لكم الأعوام الثلاث الشديدة التي أتت على المسلمين ، أعوام المقاطعة ، والحصار الاقتصادي ، وكيف ذاق المسلمون ، وعلى رأسهم رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأهل بيته الطيبين ، كيف ذاقوا ألوان الحرمان والجوع والمقاطعة ، و بعد انتهاء أعوام المقاطعة ، جاء عام الحزن .

قبل أن نشرح عن عام الحزن ، إذا كان سيد الخلق ، وحبيب الحق ، إذا كان سيد ولد آدم ، إذا كان صفوة الله من خلقه ، إذا كان خيرة عباد الله ابتلاه الله بالحزن ، فلأن نحزن نحن شيء طبيعي جداً هذه الدنيا مركبة هكذا ، هي دار ابتلاء ، دار امتحان ، دار أحزان دار أتراح ، وليست دار أفراح ، لأنه من عرفها لم يرح لرخاء ، ولم يحزن لشقاء قد جعلها الله دار بلوه ، و جعل الآخرة دار عقبى .

ففي هذا العام توفي أبو طالب عم النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان أكبر مدافع عنه من الخارج ، وتوفيت السيدة خديجة أكبر داعم له من الداخل ، فانهار الدعم الداخلي ، وانهار الدعم الخارجي ، لذلك سمى كتاب السيرة هذا العام الذي توفي فيه أبو طالب عم النبي أكبر داعم له من الخارج ، والذي توفيت فيه السيدة خديجة زوجه الحبيبة إلى قلبه أكبر داعم له من الداخل ، سمى علماء السيرة ، وكتاب السيرة هذا العام الذي مر به النبي عام الحزن .

شيء آخر : إن كان لك قريب تحبه حباً جما ، ووافته المنية ويغلب على ظنك أنه إلى الجنة ، تحزن ، ولكن الذي يخفف من هذا الحزن أنه من أهل الجنة ، أنه انتقل من دار البلاء إلى دار البقاء ، من دار الامتحان إلى دار الاستقرار ، من دار التكليف إلى دار التشرف ، من دار المتاعب إلى دار المسرات ، مما يخفف الحزن على أهل المتوفى أن يكون المتوفى من أهل الجنة ، مؤمناً .

إلا أن الذي ضاعف حزن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن عمه أبى طالب مات كافراً ، هذا الذي دعمه أشد الدعم ، طلب إليه أن يلفظ بشفتيه لا له إلا الله ، فلم يقل ، وكم تمنى صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمه الهداية ، وألح عليه ، وهو في سياق الموت لكي يسلم ويقول لا إله إلا الله .

عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ ((لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَالِبٍ يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيَعُودَانِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ... الْآيَةَ)) .(أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما)


أيها الإخوة ، لي وقفة دقيقة جداً عند هذا الموقف ، فقال عليه الصلاة والسلام : ((أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ)) ، فنزل قوله تعالى :


سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image001
( سورة التوبة : 113 ) .


ماذا نستنبط من هذه الحادثة ؟ عم النبي ، أقرب الناس إليه ، أكبر من دافع عنه ، الذي وقف أمامه كالطود ، الذي تحمل المشاق من أجله لكن تحملها عصبية ، ولم يتحملها اعتقاداً ، تحملها حميةً ، ولم يتحملها عبادةً ، تحملها انحيازاً ، و لم يتحملها طاعةً لله عز وجل ، ماذا نستنبط إذاً ؟ كم هي العقيدة خطيرة عند الإنسان ، لا يمكن أن تقدم للنبي عليه الصلاة والسلام عملاً أعظم مما قدمه عمه أبو طالب ، ومع ذلك مات كافراً ، [مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ] ، إذاً أخطر شيء في حياة المسلم العقيدة الصحيحة ، اعتقد عقيدةً صحيحة ، وكل شيء بعدها يحل أما إن لم تعتقد عقيدة صحيحة ، لو قدمت للنبي كما قدم أبو طالب لا تنجو .

إخوة الإيمان ، حقيقة خطيرة أضعها بين أيدكم ، إن أحداث السيرة من الخطورة حيث إن كل شيء في السيرة له دلالة عظيمة ، ويمكن أن نستنبط منه حقائق كبيرة ، فمن زاغت عقيدته لو كان أقرب الناس إلى نبي ، لو كان أقرب الناس إلى أكبر عالم ، إلى أكبر داعية ، لو كان يلوذ بأقرب الناس إليه .

كان رئيس المنافقين يجلس على يسار النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلم توفي طلب قميصه ، وتروي كتب السيرة أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألبسه قميصه بيده ، فلما وافته المنية قال : الآن استقر في جهنم حجر كان يهوي به سبعين خريفاً ، لا تنفعك قرابتك ، ولا ينفعك عملك ، ولا ينفعك شيء إلا أن تكون صحيح العقيدة بالله ، صحيح العمل وفق مقتضى هذه العقيدة .

وأنزل الله قوله

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image001
( سورة التوبة : 113 )


ونزل في أبي طالب :

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image002
( سورة القصص : 56 ) .


سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image003
(سورة البقرة : 272 ) .


لست عليهم بجبار .

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image004
( سورة الغاشية : 22 ) .


يعني هم مخيرون ، النبي يدعوهم إلى الحق ، أما هم يستجيبون أولا يستجيبون ، ويدل قوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Icon_sad(أَمَا وَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ)) ، على أن شدة الحزن الذي أصاب النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولاً بسبب موت عمه أبي طالب على الكفر ، وحزن أيضاً على موت أبي طالب لأنه فقد نصرته ، ووقوفه في وجوه المشركين ، فقد الدعم الخارجي ، ومن وفائه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن هذا الذي دعمه مات كافراً ، فكان حزنه عليه شديداً .

قال ابن هشام ، أحد كتاب السيرة : كان أبو طالب للنبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عضداً وحرزاً في أمره ، ومنعةً ، وناصراً على قومه ، وذلك قبل هجرته إلى المدينة بثلاث سنوات ، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الأذى ما لم تكن تطمع في حياة أبي طالب حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه التراب وقال عليه الصلاة والسلام : ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب ، ومع ذلك مات على الكفر .

أيها الإخوة ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قَالَ : ((يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا)) .(البخاري)


، هذه أكبر حقيقة ، تحر العقيدة الصحيحة ، التي إذا مت عليها قبلها الله منك وكان مصيرك الجنة .

الشيء الذي يقصم الظهر أن هذا الذي كان يدعمه خارج البيت مات ، ففقد هذا الدعم ، ومات كافراً ، فتضاعف حزن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أما حينما توفيت السيدة خديجة فقد الدعم الخارجي ، والسند الداخلي ، طبعاً السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها وأرضاها ، واست رسول الله ، وحاولت أن تخفف من حزنه على عمه أبي طالب ، كما هو حالها وشأنها دائماً في كل ما يعرض له النبي الكريم ، و لكن مواساتها انقطعت بوفاتها هي أيضاً رَضِي اللَّه عَنْها ، إذ وافاها أجلها في بعض الروايات بعد موت أبي طالب بزمن قصير ، وقال بعض كتاب السيرة بثلاثة أيام ، فحُقَّ لكتاب السيرة أن يسموا هذا العام الذي مر به النبي عامَ الحزن ، بين موت عمه أبي طالب ، وموت زوجته السيدة خديجة ثلاثة أيام .

سؤال يهمنا كثيراً : هل يتناقض الألم الشديد على مصاب أليم أصاب المؤمن ، هل يتناقض هذا الألم الشديد مع الصبر ، أبداً ، لا يتناقضان ، هذه طبيعة الإنسان ، هذه فطرته ، لا يحاسبك الله عز وجل على حزن ألم بقلبك لوفاة عزيز ، ولكنه يحاسبك على كلمة تتفوه بها تتناقض مع التوحيد ، يحاسبك على كلمة تعبر بها عن ضجرك يحاسبك عن كلمة تعبر بها عن شكك برحمة الله عز وجل ، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونين .

روى الحاكم أن موتها بعد موت أبي طالب بثلاثة أيام ، في رواية أخرى ، بشهرين وخمسة أيام ، و الرواية الأولى ثلاثة أيام ، على كلٍ زمن قصير بين وفاة عمه أبي طالب ، ووفاة زوجته السيدة خديجة تروي كتب السيرة أن السيدة خديجة توفيت لعشر خلون من رمضان ، وهي في سن خمسة وستين عاماً .

وعن حكيم ابن حزام أنها توفيت سنة عشر من البعثة ، بعد خروج بني هاشم من الشعب ، ودفنت بالحجون ، في مكة ، ونزل النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبرها ، ولم تكن صلاة الجنازة قد شرعت بعد ، وتتابعت الأحزان على النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوفاتها رَضِي اللَّه عَنْها ، وعرف العام الذي توفيت فيه كما قلت قبل قليل بعام الحزن ، وأصبح النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا عاد إلى بيته عاد مهموماً مكروباً من كثرة ما يلقى من أذى المشركين وكيدهم ، ولا يرى وجه خديجة ، وهي تستقبله بإشراقة وجهها ، وصفائه ، وابتسامته ، يعني حقاً أن الله عز وجل جعل الزوجة الوفية المخلصة سكناً لزوجها ، يعني تصور نبياً عظيماً يواجه صعوبات كالجبال ، إذا دخل إلى بيته استقبال زوجته بابتسامة وديعة ، بكلمة طيبة ، بدعوة إلى الصبر ، بتثبيت ، قدمت عملاً لا يقدر بثمن ، لا تقلل من قيمة زوجتك في البيت ، لا تقلل من قيمة أنها أحياناً تمتص بعض المتاعب ، لا تقلل من قيمة زوجةٍ صالحة تعينك على متاعب الحياة ، النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد ابتسامة الثقة ، والأمل التي كانت تستقبله بها ، فقد كانت كلمات التثبيت والتبشير التي كانت تبثه بها رَضِي اللَّه عَنْها ذات أثر كبير في نفسه ، الآن انتهت هذه الكلمات.

تروي كتب السيرة أن هذه السيدة العظيمة تبسمت للنبي وهي تجود بنفسها ، تبسمت له وهي تفارق الحياة ، أروع ما كتب عن هذا التبسم قال لعلها كانت تبتسم له كي تواسيه بنفسها عن نفسها ، أو لعلها تبسمت حين رأت مقامها في الجنة ، و قصرها في الجنة .

فقد روى الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ((أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ)) .

إخواننا الذين زاروا مكة المكرمة ، ورأوا جبل النور ، إنْ أراد رجل في ريعان شبابه ، قوي البنية ، أن يصل إلى هذا الجبل ، أو إلى هذا المكان يحتاج إلى ثلاث ساعات .

امرأة مسنة تصعد هذا الجبل كله لتقدم للنبي طعامه وشرابه ، كم هذه الخدمة ، طيب ما نستفيد من هذه القصة ؟ يعني هذه المرأة التي تحسن تبعل زوجها ، تهيئ له طعامه وشرابه ، وثيابه النظيفة ، وأولاده الذين تربيهم تربية صالحة ، هذه المرأة التي تفعل هذا إنها تمتلك أجراً كأجر المجاهد في سبيل الله ، وهذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام ، فقد أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية ((أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت : بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك ، وأعلم نفسي - لك الفداء - أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي ، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك ، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات ، قواعد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملات أولادكم ، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجا أو معتمرا أو مرابطا حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا لكم أثوابكم ، وربينا لكم أموالكم ، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال : هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا يا رسول الله ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها : انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها ، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله. فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشارا)) .

آه لو تعلم النساء ما هذا الحديث ، لا ينطق عن الهوى ، إن حسن تبعل المرأة زوجها ، إذا وفرت له جواً هادئ في البيت ، وفرت له الطعام المريح ، والفراش الوثير ، والثياب النظيفة ، وخدمات كثيرة جداً ، كم لها عند الله من أجر ، ((أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ)) ، قال لعلها ابتسمت حينما رأت مقامها في الجنة .

دلت بعض الأحاديث الشريفة على أن المؤمن عند الاحتضار يبشر بالجنة ، ويكشف له حتى يرى مقعد فيها عند الموت ، المؤمن لأن الله يكرمه ، ويبشره ، ويرى مقامه في الجنة ، ويرى مكانه فيها ، إما أنها ابتسمت تواسيه بنفسها عن نفسها ، أو أنها ابتسمت حينما رأت هذا القصر الذي وعدها الله به في الجنة ، على كلٍ قال : ((أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ)) ، ماذا قالت ؟ يا الله من أية جامعة تخرجت ، هل تحمل دكتوراه في الشريعة ! ـ قالت هو السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبريل السلام ، لو أنها قالت وعليه السلام ، انظر إلى فهمها العالي ، قالت هو السلام ، مادام هذا السلام جاءها من ربها ، إذاً هو السلام ، لا يصح أن يرد عليه السلام ، هو السلام ومنه السلام ، وعلى جبريل السلام .

أنا أعتقد أنه كلما نضج إيمانك اعتقدت أن المرأة مساوية للرجل في حقل الدين ، وقد تسبقه ، ما هذه المرأة ؟ ما هذه الإجابة ؟ منك السلام يا رب ، ومنك السلام ، وعلى جبريل السلام .

في رواية ثانية عند الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ : ((أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ مَعَهَا فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ)) ، يعني شيء قليل أن يحبك الله ! شيء يستهان به أن تكون أثيراً عند الله ، أن يقرئك الله السلام ، إن الله يقرأ خديجة السلام فقالت إن الله هو السلام ، وعلى جبريل السلام ، وعليك يا رسول الله السلام ، ورحمة الله وبركاته ، كيف كانت تخاطبه في البيت ؟ تقول له يا رسول الله ، الآن انظر إلى النساء ، النساء المثقفات لا تخاطب زوجها إلا باسمه المجرد ، وقد يكون زوجها كبيراً وعظيماً ، وله شأن كبير ، هذا من سوء الأدب ، أما السيدة خديجة تخاطب زوجها تقول له : يا رسول الله .

قال العلماء : يدل قولها أن الله هو السلام على فقهها ، وفهمها ، وحسن أدبها مع الله تعالى ، فالله سبحانه وتعالى لا يرد عليه بالسلام كما يرد على المخلوقين ، لأن السلام اسم من أسماء الله تعالى ، وهو أيضاً دعاء بالسلامة ، وكلاهما لا يصلح أن يرد به على الله ، فكأنها قالت كيف أقول عليه السلام ، والسلام اسمه ، ومنه يطلب ، ومنه يحصل ، فيستفاد من ذلك أنه لا يليق بالله إلا الثناء عليه فقط ، فأثنت عليه سبحانه ، ثم غايرت ما يليق بالله تعالى ، وما يليق بغيره ، فقالت هو السلام ، ومنه السلام ، وعلى جبريل السلام ، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته ، كلمات قليلة لكنها تعبر عن أدب جم ، وعن فهم عميق ، وعن إيمانٍ قوي.

ذكرت بعض الروايات : أن السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها رأت جبريل ، وهو في صورة رجل ، أخرج ابن السني بسنده عن خديجة أنها خرجت تلتمس رسول الله ، بأعلى مكة ، ومعها غداؤه ، تبحث عن طعام .

يقول الزوج لزوجته ألف مرة أتمنى أن يكون الطعام في هذه الساعة جاهزاً ، لا تبالي ، يأتي إلى البيت لا طعام ، ولا شيء معد جاهز ، فتنشأ الخلافات .

وتتبعه بطعامه ، وتبحث عنه ، وتأخذ معها طعامها ، فلقيها جبريل في صورة رجل ، فسألها عن النبي فهابته ، ولما ذكرت ذلك للنبي قال لها : هو جبريل ، وقد أمرني أن أقرأ عليك السلام ، وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ، ولا نصب .

أيها الإخوة الكرام ، السيدة خديجة ماتت ، ماذا بقي بعد موتها ، بقيت ذكراها رحلت السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها ، عن الدنيا وتركت رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو في ذروة المعانات ، لمَ يلق من أذى المشركين ، وإعراضهم ، وكيدهم ، وبقيت ذكرى السيدة خديجة في قلبه الشريف حيةً قويةً ، فلم تبرحه حتى آخر يوم في حياته ، يعني كان وفاءه لها عجيباً ، فلما فتح مكة أين نصب الراية ؟ نصبها عند قبر خديجة لماذا ؟ ليؤكد لها بعد موتها أن هذا النصر الذي حققه النبي ، كان بسبب صبرها ومعاناتها ، وتثبيتها لقلب النبي ، وما نسي فضلها أبداً .

ما يلفت النظر أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تشغله الأعمال الجليلة الكبيرة التي تملأ حياته عن تذكر زوجته السيدة خديجة ، الدعوة إلى الله ، تلقي الوحي ، تبليغه للناس ، عرضه على القبائل ، الهجرة إلى المدينة ، تأسيس الدولة الإسلامية ، بناء المجتمع المسلم الجديد الجهاد في سبيل الله ، الخروج إلى الغزوات ، إرسال السرايا ، وبعث البعوث إرسال الرسائل والكتب إلى الأمراء والملوك ، استقبال الوفود كل هذه الأعمال الجليلة التي نهض بها النبي لم تشغله عن تذكر السيدة خديجة رَضِي اللَّه عَنْها ، بقيت مع كل هذه الأعمال ذكرى خديجة رَضِي اللَّه عَنْها عالقة في قلبه الشريف لا تفارقه ، كأنها أصبحت جزءاً منه لا تكاد تنفصل عنه .

والذي يلفت النظر أيضاً أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تزوج بعد وفاتها أمهات المؤمنين ، واجتمع عنده في وقت واحد تسع منهن ، وكن رَضِي اللَّه عَنْهن .

ومع كل ذلك تسع نسوة يتنافسن على خدمته ، ومحبته ، وتوفير راحته ، ومع ذلك لم ينس السيدة خديجة ، هذا الوفاء ، هذا الوفاء الزوجي ، ما من زوج على وجه الأرض أكثر وفاء لزوجته الأولى من رسول الله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

ومن مظاهر وفائه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان يذكر السيدة خديجة عند أحب زوجاته إليه ، السيدة عائشة ، يعني قيل : إنها حبيبته ، إنها حبيبة رسول الله ، وكانت رَضِي اللَّه عَنْها تغار من كثرة ذكر النبي لها ، طبعاً تعليق سريع ، غيرة المرأة تنبع من تصور وتخيل أن رسول الله يحبها أكثر منها ، وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة ، ولنستمع إلى السيدة عائشة رَضِي اللَّه عَنْها ، وهي تعترف بغيرتها من السيدة خديجة ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ((مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ وَمَا رَأَيْتُهَا وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ فَيَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ)) .(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)


أحيانا الإنسان أمام زوجته الحبيبة الصغيرة التي تعلق قلبه كان من الممكن أن يصمت عن ذكر خديجة ، من شدة وفائه لها كان يذكرها عند أحب زوجاته إليه ، والحقيقة قول السيدة عائشة كأن لم يكن في الدنيا غيرها ، حقيقة ، عاش النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع خديجة أنضر سنوات عمره ، خمساً وعشرين سنة أمضاها مع السيدة خديجة وحدها.

والله أيها الإخوة ، أستمع الآن إلى قصص طلاق بعد ثلاثين عامًا عاشت معه زوجته ، على مر الحياة وحلوها ، ثم طلقها ، وأولادها كبار ، لها أولاد ، ولها بنات ، ولها أصهار ، ومع ذلك طلقها لأسباب تافهة ، أهذا هو الوفاء ، ثلاثون عامًا عشت معها ، وبعدها تنتهي هذه الأعوام بالطلاق ، وَاللَّهِ جاءت امرأة في بعض المساجد في دمشق ، وقالت لي : أنا زوجة فلان ، وهي محجبة حجابًا كاملا ، أنا زوجة فلان ، عشت معه ثلاثين عامًا ، وهو قد طلقني ، معقول! .

قال ابن حجر رحمه الله في شرح كلمات السيدة عائشة ، ما غرت على أحد من نساء النبي ، قال : "فيه ثبوت الغيرة ، وأنه ليس مستنكر وقوعها من فاضلات النساء ، فضلاً عمن دونهن ، يعني أيها الزوج لا تتألم كثيراً إذا كانت زوجتك غيورةً ، فالغيرة من صفات النساء ، فليس بمستغرب أن تقع الغيرة من فاضلات النساء فضلاً عمن دونهن ، وأن عائشة رَضِي اللَّه عَنْها كانت تغار من نساء النبي ، فكانت تغار من السيدة خديجة أكثر غيرة ، السبب طبعاً أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يكثر من ذكرها كثيراً ، وقولها هلكت قبل أن يتزوجني ، يعني هي لم تعرفها ، ولم تر وجهها ، هلكت قبل أن يتزوجني ، فلو أنها رأتها لكانت غيرتها أشد ، ثمة حالات نادرة أسوقها لكم ، يعني أحياناً تغار منها كثيراً تندفع إلى التعريض فيها ، هذا الشيء الجديد ، فيغضب عليه الصلاة والسلام ، ويرد عن أم المؤمنين عائشة ، يرد عليها ، يذكرها ببعض المناقب والفضائل التي انفردت بها السيدة خديجة ، والتي لا يشاركها فيها غيرها من أمهات المؤمنين ، كلم السيدة عائشة على ما بدر منها ، وتقول معلنةً توبتها ، وندمها ، والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بالخير ، شيء واقعي ، السيدة عائشة امرأة غيورة لا تحتمل أن يذكرها النبي دائماً ، لذلك كان النبي يرد عليها ، ويدافع عن السيدة خديجة ، تقول والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا اليوم إلا بالخير ، القصة كاملة رويت في بعض الكتب ، استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة ، على النبي الكريم ، فعرف استأذن السيدة خديجة ، فارتاح لذلك فقال اللهم هالة ، يبدو أن الصوتين متشابهين ، بعد موت خديجة سمع صوتاً يشبه صوت زوجته ، فارتاح لذلك وقال اللهم هالة ، فغرت فقلت : ما تذكر من عجوز ، الآن صارت عجوزًا ، ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين ، يعني ليس في فمها سن ، وكبيرة في السن ، خمسة وستون عاما .

قال لي واحد : والله ما في فمي سن ، فقلت له : وشعرك ، قال لي : لا شعري طبيعي ، خفت أنْ يكون شعره مستعارًا ، الإنسان بعد سن معين لا بد له من قطع غيار كثيرة ، فقالت له حمراء الشدقين ، هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خير منها ، يعني هذه ساعة غيرة شديدة .

قالت ما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشدقين هلكت في الدهر ، قد أبدلك الله خير منها ، فقال لها إنها كانت وكانت ، وكانت ، وكان لي منها الولد ، فسر بعضهم قوله الشريف ، إنها كانت فاضلةً ، وكانت عاقلة ، وكانت ، وكانت ، وكان لي منها الولد ، أما أجمل دفاع عنها فهو مرويٌّ في مسند أحمد عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ((كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ قَالَتْ فَغِرْتُ يَوْمًا فَقُلْتُ مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَيْرًا مِنْهَا قَالَ مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ)) .

انظر إلى ميزاتها ، وفي الحقيقة أروع ما في الأخلاق ألا تنسى فضل الناس عليك ، النبي عليه الصلاة والسلام حينما سمع أن الأنصار وجدوا عليه في أنفسهم جمعهم وقال : يا معشر الأنصار مقالة بلغتني عنكم وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ، جمعهم ، وكان أقوى رجل في الجزيرة ، وكان بإمكانه كما يفعل بعض الأقوياء أن يلغي وجودهم وكان بإمكانه أن يهدر كرامتهم ، وكان بإمكانه أن يهملهم ، وكان بإمكانه أن يعاتبهم ، وكان بإمكانه أن يذكرهم بفضله عليهم ، فماذا فعل جمع الأنصار وهو في أعلى درجات القوة ، وذكرهم بفضلهم عليه ، ما هذه الأخلاق ! قال يا معشر الأنصار أما إنكم لو شئتم فقلتم فلصدقتم ، ولصدقتم به ، أتينا مكذباً فصدقناك ، طريداً فآويناك ، عائلاً فأغنيناك ، يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ، وعالةً فأغناكم الله ، وأعداء فألف بين قلوبكم ، إلى آخر القصة .

والله ما أبدلني الله خيراً منها ، أمنت بي إذ كفر بي الناس صدقتني إذ كذبني الناس ، واستني بمالها إذ حرمني الناس ، رزقني الله منها الولد إذ حرمني أولاد النساء .

قالت السيدة عائشة ، هكذا تروي الروايات ، أبدلك الله حديثة السن بكبيرة السن ، فغضب صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضباً شديداً فخافت فقالت : والذي بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بالخير ، هذه مشكلة نشأت في بيت النبي صاحب ود ، ووفاء لزوجته السيدة خديجة ، وهي صاحبة غيرة .

هنا في تعليق لطيف ما معنى حمراء الشدقين ؛ نسبتها إلى كبر السن ، لأنه من دخل في سن الشيخوخة مع قوة في بدنه ، يغلب على لونه غالباً الحمرة المائلة إلى السمرة ، والذي يتبادر أن المراد بالشدقين ما في باطن الفم ، فكانت في ذلك عن سقوط أسنانها ، حتى لا يبقى داخل فمها إلا اللحم الأحمر ، من اللثة وغيرها ، وبهذا قال النووي ، ما معنى حمراء الشدقين ؟ يعني أسنان ما في ، وبفمها ما في غير لثة حمراء وباطن الفم أحمر .

يؤكِّد الإمام النووي رحمه الله تعالى أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كلماته كلها يظهر من كلماته حسن العهد ، وحفظ الود ، وحرمة الصاحب ، والمعاشرة ، حياً وميتاً ، هناك إنسان لما يموت يستخف به ، أما كان عليه الصلاة والسلام وفياً لها في حياتها ، وبعد موتها كان صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذبح شاةً يقول أرسلوا إلى صديقات خديجة قال فأغضبته يوماً فقلت خديجة ، فقال عليه الصلاة والسلام : إني قد رزقت حبها ، من فضائل خديجة أن النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرن بينها وبين السيدة مريم في الخيرية والفضل ، فقد جاء في الحديث الصحيح عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ((خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ)) ، يقصد خير نساء من على الأرض ، ومن تحت السماء ، خديجة بنت خويلد ، ومريم ابنة عمران ، السيدة مريم شهد الله لها بالاصطفاء .

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image005
( سورة آل عمران : 42 ) .


وشهد لها بالصدقية ، وهي المرتبة التي تلي مرتبة النبي ، فإذا كان النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جمع بين السيدة مريم والسيدة خديجة في الفضل ، فمعنى ذلك أن السيدة خديجة في مرتبة الصدقية .

وشيء آخر ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ((خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ قَالَ تَدْرُونَ مَا هَذَا فَقَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَجْمَعِينَ)) .(أحمد)


نستفيد من هذه القصة أن المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف ، وأن الذي حباه الله زوجة صالحة فقد أعطاه شيئاً كثيراً ، أعطاه نعمة عظمة ، أعطاه حسنة الحياة الدنيا .

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Image006
( سورة البقرة : 201 ) .


قال النبي عليه الصلاة والسلام : المرأة الصالحة هي التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا غبت عنها حفظتك ، وإذا أمرتها أطاعتك.

المصدر: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


عدل سابقا من قبل فتاة الاسلام في الجمعة نوفمبر 06, 2009 4:33 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://rfka.ahlamontada.net
سيف النصر
المشرف العام
المشرف العام
سيف النصر


عدد المساهمات : 5
نقاط : 5753
تقييم الاعضاء : 0
تاريخ التسجيل : 15/10/2009
العمر : 48

سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Empty
مُساهمةموضوع: رد: سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم   سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم Emptyالجمعة نوفمبر 06, 2009 1:11 pm

جزاكي الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
سيرة السيدة (خديجة ) زوجة النبى صلى الله عليه وسلم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قصص عن تسامح النبى صلى الله عليه وسلم
» كيف نكون أهلا لتوفيق الله ؟ (علامات توفيق الله للعبد )
» سيرة أبوبكر الصديق ومكانته فى الاسلام
» وصايا النبى لأبى ذر الغفارى
» معجزة النبى التى أثبتها الأمريكان بعد 1400 سنة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات رفقة نت  :: المنتديات العامة :: اسلاميات :: الأقسام الفرعية : اسلاميات :: التاريخ الاسلامي-
انتقل الى: